الموضوع: القبيله
عرض مشاركة واحدة
قديم 14-04-2007, 12:33 AM   #1
معلومات العضو
اللهبي
مشرف منتدى الاصايل
إحصائية العضو






آخر مواضيعي
افتراضي القبيله

اخواني الكرام اسعد الله اوقاتكم بالخيرات موضوع لاحد الكتاب في جريدة الوطن و ذكر ضمن المقال ان الفرد تحكمه ثلاثة سلطات و اليكم المقال :



( الفرد بين القبيلة والمذهب والدولة )
____________________________

علاقة الفرد بالسلطات المتنوعة في المجتمع هي علاقة إشكالية جدا . فوجود سلطة ما يعني تنازلا من الفرد عن جزء من حريته لها. يتراوح مستوى هذا التنازل بين الحد الأدنى الضروري مما يبقي على مساحة معقولة من الحرية يمارسها الفرد وبين حدود قصوى وعميقة تلغي أو تكاد تقضي على روح الفرد الحرّة. تتقلص في المجتمعات الحديثة السلطات مع اتساع مجال الحرية الفردية حتى إنه لم يبق سوى سلطات الضرورة كسلطة القانون الذي تطبقه الدولة مثلا. إلا أن هذه الصورة تبدو مثالية نوعا ما بسبب إغفالها لنوع من السلطات لم يعد يظهر بوجه مباشر كسلطة تفرض نفسها بالقوّة بقدر ما تظهر في شكل سلطة ناعمة، أتحدث هنا عن سلطة السوق والإعلام والإعلان والموضة وغيرها. إلا أن هذا لا يلغي الفكرة الأولى أن السلطات التقليدية قد تقلصت كثيرا وأن مساحة الحرية الفردية قد اتسعت إلى مستويات لم تعرفها البشرية على الأقل في تاريخها المعروف. في المجتمعات التي لم تتحدث بعد، المجتمعات التقليدية، لا تزال السلطات تتراكم فوق الفرد بشكل كفيل بالقضاء على مساحة الحرية في داخل روحه وعقله كما في المساحة العامة، مساحة الفعل والحركة. تتنوع السلطات وتتعدد في المجتمعات التقليدية لكونها تجتمع في سمة أولى وأساسية وهي أن الفرد يكتسب معناه ووجوده من خلال انضمامه للجماعة والتزامه الحرفي بكل التعاليم، وكلما التزم حرفيا وفي كل لحظة بتعاليم الجماعة اعتبر نموذجا واستطاع أن يرتقي في المرتبة الاجتماعية. مفهوم الفرد مفهوم غائب تماما بل هو مفهوم خطير لكونه يهدد بناء الجماعة، الجماعة التي قامت على أن لا قيمة للفرد إلا بالتزامه بما تقرره الجماعة. في قانون شديد الحدّة والصرامة. في رأيي أن أبرز السلطات التي تحكم الفرد في مجتمعنا العربي وتتحكم كثيرا في تحديد مدى حركة عقله وروحه وجسده ثلاث سلطات تتقاطع مع بعضها فتشكل أحيانا بناء واحدا متماسكا كما أنها تتعارض أحيانا وتختلف فيما بينها. هذه السلطات هي سلطة
القبيلة
وسلطة المذهب وسلطة الدولة. الترتيب هنا يأتي زمانيا لكون تكوين القبيلة هو التكوين الأول في حياة الإنسان العربي قبل وجود الروابط الأخرى ثم تلا ذلك رابط
المذهب
والانتماء العقائدي ومؤخرا رابط
الدولة
الذي تطوّر، ولو شكليا، مع الدولة الحديثة، الدولة القطرية. التقسيم هنا لا يعني العزل بين هذه السلطات بقدر ما يؤكد أولا على اختلافها وإن أثبت التاريخ اندماجها مع بعضها وصناعة بعضها لبعضها. وما يهمنا هنا أكثر من أي شيء آخر هو حال الفرد وسط هذه السلطات، حال حريته الشخصية، حرية فكره وقدرته على الإبداع والابتكار والخروج عن النسق. قدرته على خوض تجربة حياتية تحمل سماته الفردية أكثر من كونه نسخة من نمط محدد سلفا. وهذه القضايا هي قضايا الإنسان الأكثر أهمية من وجهة نظري على الأقل. القبيلة تعد أقدم التشكيلات الاجتماعية الكبيرة التي انضوى تحتها الفرد العربي، شكلت له الانتماء والهوية وقدمت له الحماية والأمان. اليوم القبيلة تواجه سؤال الجدوى وسط تغيرات ظروف الحياة نحو التمدن الذي يعني تشكيل انتماءات مختلفة تجمع الناس تختلف عن الانتماء العرقي في القبيلة. المدينة جمعت الأفراد متنوعي القبائل وحققت مصالحهم والدولة بأجهزتها التنظيمية والأمنية حققت له الأمن في شكله الأول. لكن رغم انفكاك الفرد جزئيا من التزامه القبلي العملي إلا أن فكره قد تشكّل ثقافيا بقيم القبيلة. مما يجعله وإن بدا شكليا متحرراً من الالتزام القبلي إلا أنه يبقى في مستويات معينة حساسة خاضعا للعرف القبلي. يمكن أن يقدم الزواج هنا كمثال على هذا الأمر، تجد الفرد يعقد صداقات مع الكل ويشكل محيطه الاجتماعي تنوعا مثيرا ولكن حين تصل الأمور إلى الزواج يختفي هذا التنوع وتبقى الخيارات التي تجيزها القبيلة هي الممكنة. المذهب الديني والأيديولوجي تلاقى مع الخط القبلي في تشكيل عقلية الفرد العربي، صحيح أن التمذهب يقوم على انتماء فكري لا عرقي في الأساس إلا أن الجماعة المذهبية بعد ما تشكلت أصبحت بمثابة القبيلة هي الأخرى، بمعنى أن الانتماء لها لم يعد ينطلق من القناعة بالأفكار بقدر ما أصبح تسلسلا ممتدا عبر الأجيال لهذا الكيان الممتد. الانتماء القبلي والمذهبي تتحد في التشديد المستمر على الانتماء للجماعة والتضييق الشديد على محاولات التفرد والخروج. عصا النفي من القبيلة مرفوعة باستمرار وعصا النفي المذهبي مرفوعة من جهة المذهب هي الأخرى، في القبيلة تأتي تهم، نقص الرجولة والعزل الاجتماعي كبعبع يطارد الأفراد وفي المذهب تأتي تهم التكفير والتفسيق وتبعاتها أيضا كأدوات لإعادة الفرد للحياض ومنعه من الخروج أو بث روح الخروج والتمرد وسط الأتباع. جاءت الدولة تاريخيا كانتماء متعال على الانتماءات التقليدية بعد ما ثبت أن تلك الانتماءات لم تعد قادرة على احتواء التكاثر البشري المحتوي في داخله على التنوع والاختلاف. أصبح من الضروري جدا تجاور الأعراق المختلفة والمذاهب المختلفة في مكان واحد، المصلحة توجد فيه والكل يرغب في الحصول عليها. من هنا جاءت الدولة كانتماء قادر على احتواء هذه التشكيلات الاجتماعية الجديدة. ومن الطبيعي أن لا تستطيع الدولة في طورها الأول التخلص من الأنماط السابقة ولذا ظهرت قريبة جدا منها. بمعنى أن الدولة في طورها الأول، كانت قبيلة مكبرة ومذهباً مكبّراً، ولكن مع تطور الوعي البشري بالقيمة الفردية للإنسان بغض النظر عن أي انتماءات لاحقة. شكلت الثورة الفرنسية 1789 عمليا أكبر تحول في التاريخ تجاه الفردية وحقوق الإنسان بوصفه إنسانا لا أكثر. ولذا نجد أن الثورة الفرنسية في إعلانها لحقوق الإنسان وقبلها بقليل الدستور الأمريكي تعالت بالانتماء الفردي عن الانتماء العرقي والديني إلى الانتماء للوطن. كما أن الحقوق يستحقها الإنسان بوصفه إنسانا على هذه الأرض دون أن يحتاج إلى أيّة انتماءات أخرى. هذا هو مبدأ المساواة الركن الثالث مع ركني الحرية والعدالة. الدولة العربية الحديثة شكلا وتنظيما، التقليدية في مضمونها جاءت، بحكم الضرورة، بعد انحسار الاستعمار لتشكل الانتماء الجديد كمثيلاتها من الدول القطرية في أوروبا وأمريكا إلا أنها في الحقيقة، في عمقها وممارستها لم تستطع تجاوز الأشكال الراسخة من الانتماءات السابقة، فأصبحت الدولة، عبارة عن قبيلة كبيرة ذات توجه معين، ونحن نعرف تاريخ الكثير من الدول العربية مع التوجهات الفكرية التي تخالفها في حين يفترض بالدولة أن تتبنى الحياد تجاه التنوع الثقافي مع حمايتها له. من هنا يبقى الفرد العربي مستلبا من شتى الانتماءات الإجبارية التي تخنق حريته باستمرار وتضغط عليه بشكل هائل ليكون عددا ضمن القطيع وكفى. هذه الآلة الضخمة تنجح كثيرا في تحقيق هدفها ليبقى الفرد الحر القادر على الاختيار حلما تقف له هذه السلطات بالمرصاد. في العالم المفتوح اليوم يبحث عدد قليل من الأفراد العرب عن انتماءات جديدة خارج هذا الفضاء كله عن طريق الانتماء لجمعيات عالمية كجماعات أنصار البيئة وجمعيات فنية وغيرها. هل يمكن أن يكون هذا هو الحل؟ ونحن نسمع كثيرا أن الانتماءات القديمة ستتهاوى مع مرور الوقت. ولكن هل الحالة العربية تدخل ضمن هذه السياقات العالمية؟ التاريخ يقول إن الحالة العربية أكثر مكرا مما نتخيل. * كاتب سعودي







اللهبي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس