عرض مشاركة واحدة
قديم 03-09-2007, 11:37 AM   #1
معلومات العضو
Arrow خذ الحكمة من افواه المجانين


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يحكى أنه عاش في إحدى مدن الشرق رجل ثريٌّ مولع بالخيولِ ولعاً لا حدود له ، كان الناس يعرضون
عليه خيولهم ، فإذا أعجبه حصان اشتراه وألحقه بما عنده، وذات يوم ، جاءه من أخبره بوجود حصان لا
مثيل لجماله في إحدى القرى النائية ، ذهب الغني وأحد خدمه إلى تلك القرية ، أدهشه جمال الحصان فاشتراه
وعاد به ، رُبط الحصان في حديقة المنزل إلى شجرة باسقة ،جلس الثري إلى مائدة أُعدت لـه قربه وراح يتأمله ،
حين لم يبق أحد من الخدم حوله رأى الحصان يصغر ويصغر ثم رآه يدخل في مزراب صغير تنسكب منه المياه
في بركة صافية ، كاد صوابه يطير فصاح بأعلى صوته :‏ الحصان ، الحصان !‏أسرع الخدم إليه وسأله أحدهم :‏
ماذا جرى للحصان يا سيدي ؟‏
قال الغني :‏ لقد صغر وصغر ثم دخل في المزراب هناك .
قال الخادم وهو يشير إلى الحصان :‏ المعذرة يا سيدي ، الحصان موجود حيث ربطناه .‏
صاح الثريُّ :‏ لقد رأيته بعينيَّ !‏
قال الخادم :‏ وها أنت ذا تراه بعينيك في مكانه ، يبدو أنك متعب يا سيدي .‏
صاح الثريُّ :‏ لستُ متعبا ً، وقد رأيته وأنا بكامل قواي، هيا انصرفوا .‏
ذهب الخدم إلى أعمالهم ، وجلس الثري إلى المائدة ، ونظر إلى الحصان ، كانت عينا الحصان واسعتين وجميلتين ،
ثم ها هو ذا يصغر ويصغر ويدخل في المزراب ، دلك الغني عينيه ورش بعض الماء على وجهه ، وحين لم يتغير
شيء حوله صاح بصوت غريب :‏ الحصان ، الحصان !، وأسرع الخدم إليه ، وتكرر المشهد مراراً ، وتكرر الجدال ، وخرجت زوجته من القصر، ووقفت إلى جانب الخدم محاولة إقناعه بأن ما يقولـه مخالف للمنطق فقال لها :‏أعرف أنه
مخالف لكل منطق ، لكنني رأيته .
وحين قالت له: أنت متعب ، وعليك أن ترتاح ، ضربها وضرب من وصلت يده إليه من الخدم ، وكان على زوجته أن تستدعي الأطباء خوفاً عليه ، وقرر الأطباء أنه جُن فأخذوه وهو يقاومهم إلى مشفى المجانين ، قيدوا قدميه وربطوا يديه وتركوه على أرض غرفة قذرة .‏
رآه أحد نزلاء المشفى ، فحمل كوب ماء إليه وسقاه ، ثم جلس قربه وواساه ، ثم سأله عن سبب إحضارهم لـه إلى
هذا المكان المخيف ، فحكى لـه حكاية الحصان فضحك المجنون حتى كاد ينقلب على قفاه ، ثم قال له :‏ أنا ،على
جنوني ، لا أفعل ما فعلت .
سأله الثري :‏ كيف ؟‏
قال المجنون :‏ ألم تر ما رأيتَ بعينيك ؟ ألم يقتنع عقلك بما رأيت ؟‏
قال الثريُّ :‏ أجل .
قال المجنون :‏ أتتحمل هذا الأذى كله في سبيل أن تقنع الآخرين بصواب ما رأيتَ ، وهو مخالف لمنطقهم ،
المعذرة ، أنتَ أكثر جنوناً مني ،‏ ابتسم المجنون لـه برفق ، وابتعد عنه ، وظل الثري في مكانه حتى الصباح .‏
دخل كبير أطباء المشفى غرفة الثريّ ، وسلم عليه بإشفاق ، فسأله الثريُّ مستغرباً :‏ من جاء بي إلى هنا
يا كبير الأطباء ؟ ولماذا ؟‏
ارتبك كبير الأطباء وغمغم :‏ أتوا بك إلى هنا بسبب ، بسبب الحصان .‏
صاح الثري :‏ الحصان ، ماذا أصاب الحصان ؟‏
قال كبير الأطباء :‏ البارحة كنت تؤكد أنه دخل في المزراب ؟‏
قال الثري :‏ هل هذا معقول ؟ أأنا أقول هذ ا؟ أنت تمزح أيُّها الطبيب .‏
صاح كبير الأطباء مبتهجا ً:‏ الحمد لله على سلامتك ، هيا أعيدوه إلى البيت على الفور .‏

... الحكمة هي : الخير الكثيرالذي يُؤْتِيه الله تعالى لمن شاء من عباده ، يقول الله تعالى : " يُؤْتِي الحِكْمَةَ
مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ " .

... الحكمة لها معان كثيرة ، ولعلنا نأخذ منها ما يناسب القصة أعلاه ، فقيل أن الحكمة تعني : وضع الشيء
في موضعه ؛ وتنزيل الأمور منازلها ، والإقدام في محل الإقدام والإحجام في موضع الإحجام .

فوائد :
* هذا الثري ، أخذ الحكمة من من ؟ ، من المجنون - خذ الحكمة من أفواه المجانين - وحق لنا أن نأخذ بالخير
ونأخذ بالحق ونقبله ، من أي كائن من كان ، من مجنون أو حيوان ، أو امرأة - وكانت بلقيس ملكة سبأ على
قدر كبير من الحكمة في قيادة قومها والتزامها بالشورى منهجًا وسلوكًا. قال الحسن : كانت هي أحزم رأيًا
منهم ، وأعلم بأمر سليمان ، وإنه لا قِبَلَ لها بجيوشه وجنوده - أو رجل وضيع ، أو رجل وجيه ، الكل يؤخذ
منه الحكمة، الحكمة ضالة المؤمن أنا وجدها فهو أحق بها .

* علينا الأخذ بالحكمة فهي خير ومنجاة ، هذا الثري أخذ بالحكمة التي نطق بها المجنون - :‏ أتتحمل هذا
الأذى كله في سبيل أن تقنع الآخرين بصواب ما رأيتَ ، وهو مخالف لمنطقهم – ومن ثم نجا من اتهامه
بالجنون وسجنه مع المجانين .

* قال ابن القيم : والحكمة حكمتان: علمية وعملية.
فالعلمية: الإطلاع على بواطن الأشياء، ومعرفة ارتباط الأسباب بمسبباتها، خلقًا وأمرًا، قدرًا وشرعًا.
والعملية – كما قال صاحب المنازل -: وضع الشيء في موضعه. قال: وهي على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: أن تعطي كل شيء حقه، ولا تعديه حده، ولا تعجله عن وقته، ولا تؤخره عنه.
الدرجة الثانية: أن تشهد نظر الله في وعده، وتعرف عدله في حكمه، وتلحظ بره في منعه.
الدرجة الثالثة: أن تبلغ في استدلالك البصيرة، وفي إرشادك الحقيقة، وفي إشاراتك الغاية ".

* من موانع الحكمة :
... إتباع الهوى وكذا مجالسة أهل الأهواء، إن الهوى وعدم التجرد من أعظم موانع هذه الحكمة، قال
الله تعالى- وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ- وقال:-وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ-.
وفي الحديث : " فإذا رأيت شحًا مطاعًا، وهوىً متبعًا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك" .
وقال أبو قلابة : « لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تحادثوهم، فإني لا آمن أن يغمروكم في ضلالتهم، أو يلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون »
... الجهل ، فالجهل والحكمة ضدان لا يجتمعان ، قال تعالى:-قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ- .

* من علامة الحكمة : أن تحمل نفسك على ما تريد أن تدعو الناس إليه .
... نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الحكمة ، آمين .

«®°·.¸.•°°·.¸¸.•°°·.¸.•°®»شارك ولو بابتسامة «®°·.¸.•°°·.¸¸.•°°·.¸.•°®»
منقول







التوقيع

ان شفتكم فتحت زهور القلب -------وان كان غبتم صفق القلب مقهور
( محمد الاحمد السديري)

فلاح البدراني غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس