عرض مشاركة واحدة
قديم 08-11-2006, 08:47 PM   #5
معلومات العضو
ابن سعران
كاتب مميز

الصورة الرمزية ابن سعران
إحصائية العضو






آخر مواضيعي
افتراضي

التعليم الجامعي مضيعة للوقت وهدر للمال



الدكتـور صـالـح بن ناصـر الشـويـرخ
يغلب على النظام الجامعي لدينا أسلوب المحاضرة التقليدية، حيث يقوم الأستاذ الجامعي بالقاء محاضرة شفهية أمام الطلاب مستخدماً السبورة أو بعض وسائل العرض الاخرى في موقف تعليمي يتحكم فيه الأستاذ، ويقتصر دور الطالب فيه على الاستماع إلى المحاضرة وطرح بعض الاسئلة حول محتواها، وينتهي العام الدراسي بعقد اختبارات لقياس قدرة الطالب على تذكر أكبر قدر ممكن من المعلومات التي قدمت له في تلك المحاضرات.
هذا النوع من التعليم لا يمكن أن ينتج عنه أي تعلم حقيقي، إذ لا يحدث التعلم عند الطالب إلا إذا شارك مشاركة فاعلة في الموقف التعليمي، ومر بمجموعة من الخبرات التعليمية الهادفة التي يمارس فيها أنواعاً مختلفة من الانشطة، يكون فيها هو المتحكم بالموقف التعليمي أو على الأقل يكون له نصيب من هذا التحكم بمشاركة الأستاذ. ويمكن تحقيق جزء من ذلك عن طريق تكليف الطلاب بواجب كتابي والقاء شفهي في كل مقرر دراسي يدرسه في الجامعة، واليكم كيف يمكن تطبيق ذلك والتبعات التي ينتج عنه.

من المهم أن يكلف الطالب الجامعي في كل مقرر دراسي بتناول قضية من القضايا أو مسألة من المسائل أو مفهوم من المفاهيم التي درسها الطالب ويعالجها معالجة علمية في واجب كتابي، فالكتابة من أهم وسائل التعلم، إذ أن كثيراً من المفاهيم والقضايا التي تقدم للطالب لا يمكن فهمها فهماً عميقاً الا إذا كتب الطالب حولها وعالجها وناقشها مع أستاذه، وعن طريق الكتابة أيضاً يكتسب مهارات اخرى مثل القدرة على الكتابة العلمية الحجاجية والتعبير عن آرائه والدفاع عنها.

ويقوم الأستاذ بقراءة ما كتبه الطالب وصياغة تغذية راجعة مكتوبة تحتوي على تعليقات الأستاذ وملحوظاته إلى جانب تقديم تغذية راجعة شفهية يقدمها الأستاذ في مقابلة شخصية يعقدها الأستاذ مع الطالب في مكتبه، لأن الاقتصار على التغذية الراجعة المكتوبة لا يكفي، إذ قد لا يقرؤها الطالب، كما أن المقابلة الشخصية الانفرادية تعطي الطالب فرصة للدفاع عن آرائه وللرد على بعض الملحوظات والتعليقات، وهي مهارات مهمة يجب أن يتدرب الطالب الجامعي عليها. كما يمكن أن يكلف الطالب في بعض المقررات الدراسية باعداد محاضرة والقائها شفهياً أمام زملائه وهو ما يسمى الالقاء الشفهي الذي له فوائد لا تحصى مثل مواجهة الجمهور والالقاء الجيد والاستماع لآراء الآخرين. هل يمكن لنا أن نتخيل الفوائد التي يمكن أن يجنيها الطالب الجامعي بعد تخرجه في الجامعة عندما يكلف باعداد تقرير مكتوب في 40 مقرراً دراسياً وتقرير شفهي في 40 مقرراً دراسياً آخر على اعتبار أن الطالب يدرس ما لا يقل عن 80 مقرراً دراسياً؟..

ولكن السؤال المطروح: هل يمكن تطبيق ذلك في ظل أنظمة التعليم العالي الحالية؟ الجواب بالنفي، فلنتخيل أن أحد الأساتذة يقوم بتدريس 200 طالب في الفصل الدراسي الواحد (وهو عدد قليل بناءً على ما هو موجود في الجامعات حالياً، إذ يصل عدد الطلاب الذين يدرسهم الأستاذ الجامعي الواحد أكثر من 1000 طالب، مما يعني انه يجب عليه قراءة 200 واجب كتابي وإعداد 200 تقرير تغذية راجعة وتخصيص نصف ساعة لكل طالب لعقد المقابلة الشخصية لتقديم التغذية الراجعة الشفهية والاستماع إلى الطالب. وهذا معناه أن الأستاذ الجامعي يحتاج في الفصل الدراسي الواحد إلى 100 ساعة يخصصها للمقابلة الشخصية وحدها، وهو أمر لا يمكن تحقيقه اطلاقاً في ظل الظروف الحالية، لأن ذلك يتطلب التزاماً كبيراً من أساتذة الجامعة ولزوم مكاتبهم (التي تعاني من الهجران) لساعات طويلة، وهي مسألة بعيدة المنال في ظل ابتعاد اعضاء هيئة التدريس عن مكاتبهم وانشغالهم بأمور اخرى كثيرة غير التدريس، بمباركة من بعض المسؤولين في التعليم العالي والخدمة المدنية ووزارة المالية.

ومرد ذلك كله إلى سوء اللوائح المالية والتعليمية الجامعية والإحباط العام الذي يعاني منه أساتذة الجامعات. إن التدريس الجامعي يتطلب حباً شديداً للمهنة من طرف أعضاء هيئة التدريس وتخصيص جل أوقاتهم لطلابهم وتهيئة جميع الظروف لهم لتحقيق ذلك إذا أردنا ألا يكون تعليمنا الجامعي مضيعة للوقت وهدراً للمال.








ابن سعران غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس